تاريخ السرد القصصي
يُعد السرد القصصي أحد أقدم وأهم أشكال الفنون في تاريخ البشرية. لقد لعب دورًا حاسمًا في تشكيل المجتمعات، وتعزيز التواصل، وضمان استمرار الثقافات والتقاليد عبر الزمن.
ولكن ما هو السرد القصصي بالضبط؟ وكيف تطوّر عبر الزمن؟
ما هو السرد القصصي؟
السرد القصصي هو فن رواية أو كتابة القصص أو الحكايات. وعادةً ما تُروى القصص بهدف الترفيه أو نقل المعلومات أو التعليم.
هناك العديد من المصطلحات المرتبطة بالسرد القصصي، بناءً على التركيز على القصة نفسها (مثل: حكاية، خرافة، أسطورة، ميثولوجيا، خيال) أو التركيز على فعل السرد (مثل: رواية، شرح، وصف).
"في جوهره، السرد القصصي هو السحر الذي يحوّل الكلمات إلى عوالم، مما يجعل كل مغامرة ممكنة."
تطور السرد القصصي
على الرغم من صعوبة إثبات ذلك بشكل قاطع، يُعتقد أن السرد الشفهي والكتابي تطور فورًا بعد نشوء اللغة. ومع ذلك، كانت القصص جزءًا من الثقافات المختلفة منذ العصور القديمة. فمن أين جاءت القصص؟ وإلى أين تتجه؟
الرسومات الكهفية
تعود أقدم أشكال السرد إلى عصور ما قبل التاريخ، عندما استخدم البشر الرسومات الكهفية لتصوير حياتهم، وصيدهم، ومعتقداتهم على جدران الكهوف. كانت هذه الصور (السرد البصري)، التي وُجدت في أماكن مثل لاسكو، فرنسا، بمثابة سرد مرئي يربط بين المجتمعات ويحفظ المعرفة.
القصص الشعبية والملاحم
مع تطور المجتمعات، أصبح السرد جزءًا من التقاليد الشفهية والشعبية، حيث نُقلت القصص شفهيًا من جيل إلى آخر. تضمنت هذه القصص في كثير من الأحيان أساطير وخرافات ودروس أخلاقية، مما شكّل العمود الفقري للعديد من التقاليد الثقافية. ومع مرور الوقت، تحولت هذه القصص إلى ملاحم مكتوبة لضمان بقائها عبر الزمن.
ومن بين أقدم القصص الشعبية المعروفة:
- الشاهنامه التي كتبها الفردوسي في بلاد فارس.
- الملحمتان اليونانيتان العظيمتان: الإلياذة والأوديسة، اللتان كتبهما هوميروس.
ما هي أقدم قصة معروفة؟
تُعتبر ملحمة جلجامش أقدم عمل أدبي معروف في التاريخ. نشأت هذه الملحمة في بلاد ما بين النهرين القديمة، وتحكي مغامرات الملك جلجامش، الحاكم شبه الإلهي لمدينة أورك، بينما يخوض رحلات استكشافية تعكس مواضيع مثل الصداقة، والموت، والتجربة الإنسانية.
يعود أصل هذه القصة إلى قصائد سومرية تعود إلى حوالي 2100-2000 قبل الميلاد. وقد جُمعت لاحقًا في نسخة أكادية تُعرف باسم ملحمة جلجامش، التي كُتبت حوالي القرن الثامن عشر قبل الميلاد.
على الرغم من أن ملحمة جلجامش تُعتبر واحدة من أقدم الأعمال الأدبية المعروفة، إلا أن تحديد أقدم قصة على الإطلاق يظل أمرًا صعبًا. ومع ذلك، فإن تأثيرها العميق على الأدب وانعكاسها للمجتمع البشري المبكر يجعلها ذات أهمية كبيرة في دراسة السرد القديم.
المصدر:
https://www.history.com/news/what-is-the-oldest-known-piece-of-literature
النصوص الدينية
مثّلت النصوص الدينية تحولًا كبيرًا آخر في السرد القصصي، حيث جاءت الكتب المقدسة مثل القرآن الكريم، والكتاب المقدس، والفيدا ليس فقط لتوثيق المعتقدات الروحية، ولكن أيضًا لنقل القصص التي تحتوي على تعاليم أخلاقية وروحية.
المسرح والدراما
ساهم الإغريق والرومان القدماء في تطوير السرد القصصي من خلال المسرح والدراما، حيث قدموا فنون المأساة، والكوميديا، والدراما إلى الجماهير. لم تكن هذه العروض مجرد وسيلة للترفيه، بل كانت أيضًا وسيلة لاستكشاف الطبيعة البشرية والقضايا الاجتماعية.
انتشرت هذه التقاليد في جميع أنحاء العالم، وبحلول القرن السادس عشر، أصبح ويليام شكسبير أشهر كاتب مسرحي في التاريخ. كتب 39 مسرحية ولا يزال الكاتب الأكثر أداءً على المسارح حتى اليوم. كما يُنسب إليه ابتكار حوالي 1,700 كلمة في اللغة الإنجليزية.
المطبعة
كان اختراع الطباعة على يد يوهان غوتنبرغ في القرن الخامس عشر نقطة تحوّل تاريخية، حيث أدى إلى توسيع نطاق نشر القصص بفضل الطباعة الجماعية للكتب. أدى هذا إلى ظهور الرواية، حيث بدأ كتّاب مثل تشارلز ديكنز، وجين أوستن، وليو تولستوي في استكشاف شخصيات معقدة وسرد طويل من خلال أعمالهم الأدبية.
السينما
جاء القرن العشرون بابتكار جديد في عالم السرد القصصي، حيث شهد ظهور السينما، التي جمعت بين السرد البصري والصوت والحركة. أصبحت الأفلام وسيلة جديدة لنقل القصص إلى الجمهور في جميع أنحاء العالم، مما أحدث ثورة في صناعة الترفيه.
"السينما خلقت فئة جديدة تمامًا من السرد البصري وأنتجت أولى المشاهير في العالم."
السرد الرقمي
أصبح السرد الرقمي يعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي، والبودكاست، وألعاب الفيديو، والواقع الافتراضي، حيث أصبحت القصص أكثر تفاعلًا وإبداعًا من أي وقت مضى.
كما أدى انتشار المؤثرين إلى ظهور جيل جديد من الرواة، حيث أصبح مشاركة القصص مع العالم أسهل من أي وقت مضى.
ما هي أنواع السرد المختلفة؟
يُعتبر السرد فنًا يستغرق الناس سنوات في إتقانه، ويعتمد على الجمهور والغرض منه. يتخذ السرد أشكالًا عديدة تختلف حسب الوسيلة المستخدمة لنقل القصة.
يشمل السرد الشفهي نقل الحكايات شفهيًا باستخدام تعابير الوجه والإيماءات لتعزيز المعنى. أما السرد الكتابي فيشمل الروايات، والقصص القصيرة، والشعر، والسيناريوهات التي تُستخدم لإيصال الأفكار والمشاعر عبر الكلمات المكتوبة.
يتمثل السرد البصري في استخدام الصور، مثل القصص المصورة والأفلام والتصوير الفوتوغرافي، لإيصال المعاني دون الحاجة للكلمات. كما أن السرد الرقمي يدمج التكنولوجيا مع السرد التقليدي من خلال الفيديوهات، والبودكاست، والوسائط التفاعلية.
لماذا نحب القصص؟
نحب القصص لأنها جزء أساسي من التجربة الإنسانية. فهي تسعدنا، وتعلمنا، وتسمح لنا بالهروب من الواقع. كما تمنحنا فرصة لاستكشاف المشاعر والمغامرات بطريقة آمنة وخيالية
تساعد القصص أيضًا في خلق روابط بين الناس، حيث تجعلنا نشعر بأننا مفهومون وغير معزولين، من خلال تصوير مشاعر ومواقف تشبه تجاربنا الخاصة
